إنه اليوم الاول من الربيع . كانت العصفورة الصغيرة جالسة بالعش بأحضان أمها تأكل الحبوب و تعيش دفء الشمس وتنظر الى خيوطها الدقيقة الملونة وتستمتع بالنظر الى الورود والفراشات التي حولها.
كانت الحديقة ممتلئة بألوان الورود، فكانت هذه الصغيرة تنظر الى كل لون وتحلله ، كانت ترى الوردة الحمراء كلون دمها العاشق، والوردة البيضاء كقلبها البريء، والوردة الصفراء كالسعادة التي ترسمها دائماً وتصورها في أغاريها الجميلة انها تحب اللون الاصفر كثيرا لانه يسحر عيونها ويجعلها تغيب عن الوجود ، لكنها كانت تعشق كل الورود وتحب كل الالوان . وكانت أمها القوية تطعمها بفمها الممتلئ بكلمات الحب، وحبوب القمح، واذ سمعت صوتا من بعيد فاختبأت لأنها تعلم الضعف في نفسها وتعلم انها لا تستطيع مواجهة أحد، وتعرف أن قلبها صغيراً ورقيقاً لا يقوى على شيء ، لا يحتمل نسمة هواء باردة ، ولا لمسة حنان دافئة، غشاؤ قلبها شفافاً فاللمسة الدافئة تحرقه، والبسمة الصغيرة تشعله، والكلمة الجميلة تجعله يذوب في مكانه. انها لم تعتاد على رؤية أحد
إلا أمها الجميلة الرقيقة .انظري هناك قالتها الأم بصوتٍ منخفض، انه طائر جميل ، وصوته عذب، عسى أن يصبح صديقنا، يؤانسنا ويحمينا من الخفافيش والغربان السوداء التي تخيفنا في الليل الاسود.
هيا يا صغيرتي ناديه، فقالت لها لا لا لا أستطيع.قالت لها الام: اذن سأناديه بصوتي . فقالت البريئة وما أنا فاعلة اذن عندما يأتي ؟ قالت لها لا شيء سوى انك ستفتحين له باب العش وترحبين به بأغاريدك الجميلة.
فوافقت المسكينة الصغيرة على طلب أمها مرغمة لأنها تعلم أن هذه ممنوعا بقانون العصافير أن يدخل عصفورا غريبا على العش. ففتحت له باب العش عندما اقترب منه، ورحبت به بالتغريد والتنغيم فشاركها النغم فاستمتعت بجمال وجهه، وعذوبة صوته، ورقة قلبه, فأحبت بين ليلة وضحاها ودون قرار. وفجأة شعرت ببرودة في أطرافها ودفء في وجنتيها واحمرار جعل وجهها مضيئاً كالشمس التي كانت تعلوهما، واضطربت نبضات قلبها فاستأذنت بالانصراف لكي لا تظهر له ضعفها. فأحس العصفور الذكي بشعورها فقال لها بل أنا الذي سأنصرف فرفضت طلبه ، لأنها تعلقت بقلبه الكبير وصوته الجميل وشجاعته ولم تسمح له بذلك. فلم يتمالك قلبه ولم يضبط نفسه عندما رأى براءتها ورقة مشاعرها فانفجرت الحروف من لسانه وكأنها بركان تتطاير شظاياه في كل مكان لتملأ العالم.
فقال لها الكلمة التي تهد الجبال، وتجعل البحور تموج، والأنهار تفيض، هذذ الكلمة التي بها تتفتح كل الأزهار، وتتغنى بها كل الطيور، وتتراقص طربا بسماعها الفراشات، قال لها أحبك ماذا أحبك أعادها على مسامعها فوقعت هذه العصفورة من العش وأصابها الذهول والدهشة والحيرة على هذا الحدث المريب!
حبهما البرئ هذا هو جريمة لا تغتفر في قانون العصافير الذي حفطته عن ظهر قلب لكن ما عقوبتهما في قانون الحياة. ربما الحب مسموح فيها ولا سيما أنها سمعت في أحد المرات التي كانت تتعلم فيها الطيران من شابة صغيرة تقول أن " الحب هو الحياة" وتساءلت هل هذه المقولة صحيحة أم أنه لا يوجد شيء اسمه حب؟ لكن كيف تعيش الكائنات في هذه الطبيعة الغناء من غير حب؟ فحالة هذه العصفورة المولعة وتساؤلاتها جعلتني أقول: انها تعيش حالة حب حزينة وتظهر عليها علامات الحب التي تظهر على البشر. كيف هذا وقد كنت أظن أن العصافير لا تحب والفراشات لا تحب والورود لا تحب . ولأن الحب خلق للبشر فقط. فعلمتني هذه العصفورة درساً لن أنساه علمتني أنه لا حياة من غير حب لكن كل إنسان أو مخلوق يعبر عن الحب بالطريقة التي تعجبها سواء أعجبت الآخر أم لا علمتني أن " الحب للجميع" .
ولم تدر تلك العصفورة كيف ستواجهه ذلك العاشق المسكين بعد ذلك اليوم, بعد أن كانت أمامه ضعيفة وسقطت من عشها , كيف ستصل إليه الى أعلى الشجرة بأطرافها المرتجفة.
انه شعور صعب وأسئلة محيرة لهذه العصفورة وأنها تريد الحل لمشكلتها لكن ممن تطلبه؟ من أمها التي كانت هي السبب في تعلقها به، وأمها هذه من أشد المتعلقين بها والرافضين لحبها، أم تنتظر آباها الذي سافر بعيدا ليبحث لهم عن عشاً أكثر أماناً ودفئاً ريثما يعود وتطلب منه حلاً لمشكلتها علماً أن الحب لا ينتظر مسافراً ليعود ولا طفلاً ليشب، أم تستغيث بصديقاتها التي التي يصعب التحدث معهن بمواضيع سياسية كهذه ؟ أم تسأله الحل هو الذي شبكها بحبه البرئ . انها في حيرة لا يعلم بها ألا من شعر بذلك الشعور الذي سمته الشعور الجميل اللعين. "انها حيرة الحب!" فماذا تفعل تلك العصفورة في عالم ممنوع فيه الحب؟؟؟ هل تخرجه من عشها وقلبها؟ أم تكمل معه رحلتها وتتحدى كل القوانين؟ ام انها تتظاهر بالقوة وعدم المبالاة وتحترق وحدها بنار الحب وتموت صمتاً وتكون في عداد شهداء الحب كما قال عبد الحليم" قد مات شهيداً يا ولدي من مات فداءً للمحبوب" فـأنا حزين جداً على هذان العصفوران العاشقان.