لا يا من كنت رئيسي.. إلعب غيرها
''أيتها الأم الثكلى وأيها الأب المكلوم من أهالي شهداء ثورتنا البيضاء المباركة، الذين اغتالتهم يد الغدر، وحصدت أرواحهم مقصلة الظلم والطغيان.. الأخوة والأخوات المواطنين من ابناء هذا الشعب الطيب، الذي عانى خلال ما يقرب من ثلاثة عقود من الاستبداد، وأثقل كاهله الفقر والمرض وأعباء الحياة ، .. معلهش مكنتش اقصد اعمل فيكو كده.. سامحوني ''.
ذلك كان جزء تخيلي من خطاب الرئيس السابق محمد حسني مبارك والذي يتردد انه سيلقيه للشعب خلال الأيام القادمة ليقدم فيه اعتذاره، طالبا العفو.
الاعتراف بالخطأ، وطلب العفو، وخاصة عندما يصدر من شخص كان ملء السمع والبصر، وكان يمتلك كل السلطة والنفوذ، على إطلاقهما دائما ما يلقى تعاطف من متلقييه، وخاصة إذا كانوا على قدر طيبة وعفوية، وتسامح أهل مصر، ولكن منذ متى والقصاص للدماء يكون بالاعتذار، ومنذ متى و حد السرقة وتجويع الشعب، واختلاس أقوات الفقراء والمعدمين مجرد ''آسف مكنش قصدي''!!.
فإثارة مثل هذا الاعتذار في هذا التوقيت، لا يعدو كونه “بالونة” اختبار لردود أفعال الشعب حول الفكرة وقياس مدى تقبل وتعاطف الناس معها أو رفضها، واعتقد أنها أتت بثمارها بذلك الرفض الشعبي الكاسح لمثل تلك الدعوى المتعاطفة، والمنادية بالعفو عن الرئيس السابق وأسرته حال تنازلهم عن ممتلكاتهم وتقديم مثل ذلك الاعتذار المزعوم، ولكن من صاحب فكرة إطلاق ذلك الاختبار؟!.
الكارثة في هذا العفو إن حدث أو حتى تم وضعه على قائمة التنفيذ أو في الاعتبار من جانب أصحاب القرار، فستكون انتكاسة عظمى لثورة 25 يناير، وتقويض تام لكافة اهدافها، بل هو تأصيل لمبدأ جديد هو أن يفعل الفاسدين ما يشاؤون ويطغوا ويتجبروا كيفما يتراءى لهم، طالما هناك شعب يتنازل ويتخاذل، في الدفاع عن حقوقه، ومحاسبة المخطئين.
الشعب قال ومازال مُطالبَا أن يقول وبمنتهى الحزم والقوة والإصرار '' لا تصالح''، وأن يعيدوا ولو في مليونية أو من خلال ثورة جديدة، ما قاله الشاعر الكبير أمل دنقل :'' لا تصالح على الدم.. حتى بدم! .. لا تصالح! ولو قيل رأس برأسٍ.. أكلُّ الرؤوس سواءٌ؟.. أقلب الغريب كقلب أخيك؟!.. أعيناه عينا أخيك؟!.. وهل تتساوى يدٌ.. سيفها كان لك.. بيدٍ سيفها أثْكَلك؟''.
فلا احد في مصر الآن سواء كان المجلس الأعلى للقوات المسلحة أو أيا من أعضاء حكومة الدكتور عصام شرف، أو غيرهم من المسئولين، أو أحد من ابناء الشعب، يملك أن يعفو عن مبارك، الملطخة يده بدماء مئات الشهداء، والذين كانت دمائهم الوقود الذي أشعل نار الثورة، ومهد لنجاحها، وغيرهم شهداء بالملايين رحلوا بدم بارد على مدار سنوات حكم مبارك ، فمن يملك التفريط في واجب القصاص لدماء هؤلاء الشهداء؟!!.
من يعفو أو يتنازل أو حتى يتعاطف، مع دعاوى عدم محاكمة الرئيس السابق مبارك، وأسرته، وباقي رموز نظامه الفاسد، هو خائن للثورة، ولأهدافها، ولشهدائها، ولا يستحق أن ينتمي لها، او يدعي انه ثوري ولد في ميدان التحرير، فما قامت الثورة للتفريط في حق، وخاصة إذا كان صاحب الحق انتقل لجوار ربه، تاركًا آخرين يتغنون بما حققه من أمجاد، فياله من عار سيلحق بنا ولن يمحوه الدهر، لو سمحنا لدعاوى العفو وعدم محاكمة مبارك أو غيره من المتورطين في قتل شهداء الثورة أو غيرهم من الذين نهبوا ثروات الوطن، واستباحوا ثرواته، أو غيرهم من الفاسدين.. ''فعفوا يا من كنت رئيسي.. إلعب غيرها