تحقيق القول في جواز الزيارة الشرعية لأضرحة الأولياء والصالحين
زيارة أضرحة ومقامات الأولياء الصالحين من القضايا التي يكثر السؤال عنها لا سيما في المجتمعات والبلدان التي توجد فيها مثل هذه المعالم والزوايا والتي منها منطقة الشمال الإفريقي (مصر، ليبيا، تونس، الجزائر، المغرب وما وراء هذه البلدان في إفريقيا ما وراء الصحراء)
ولأن القضية (زيارة أضرحة ومقامات الأولياء) دقيقة وذات صلة بالعقيدة وهي قضية حساسة فإن العلماء المحققين لم يتسرعوا في الإدلاء بحكم الشرع فيمن يرتادون هذه الأماكن وإنما آثروا التروي والتثبت حتى لا يخرجوا بجرة قلم من دائرة الإسلام من تنطق ألسنتهم بكلمة التوحيد (لا إله إلا الله) ذلك أن الزيارة للقبور والمقابر في حد ذاتها لا اختلاف بين العلماء في جوازها ومشروعيتها فقد أذن بها رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدما اطمأن على رسوخ عقيدة التوحيد في قلوب أصحابه حيث قال (كنت نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزورها).
* والعلماء الذين نهوا عن زيارة الأضرحة والمقامات كان مستندهم القاعدة المعروفة (بسدّ الذرائع)إلى الشرك بالله والاعتقاد أن غير الله سبحانه وتعالى يقدر على شيء من نفع وضر ودفع وجلب إذ كل ذلك لله وحده وإشراك غيره فيه ظلم عظيم (إن الشرك لظلم عظيم) وما دون الشرك بالله قابل للغفران أما الشرك فإن الله يقول في حقه (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك).
* ولا شك أن الزائر لأضرحة الصالحين ومقاماتهم إذا كان مستصحبا لعقيدة التوحيد وكل مقتضياتها لا تثريب عليه إن هو زار هذه الأماكن وتقرب فيها إلى الله بالمشروع من الطاعات والقربات من الأعمال الصالحة الخالصة لوجه الله ومنعه من ذلك ورميه بالشرك والكفر وإخراجه من دائرة الإيمان لا حجة ولا برهان عليه من نقل (نصوص شرعية من قرآن وسنة) أو عقل بل في ذلك تألٍّ على الله (ومن تألى على الله كذبه) وهو محاكمة للنوايا التي محلها القلب الذي لا يعلم ما فيه إلا الله ثم المعني بالأمر فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن حكم بكفر من نطق بالشهادتين هل شققت صدره؟ فالنوايا لا يعلمها إلا الله.
* والمقدم على زيارة هذه الأماكن أعلم بما يفعل وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (استفت قلبك وان أفتوك) كل ما في الأمر وما ينبغي القيام به نحو هؤلاء الزائرين والمرتادين لهذه الأماكن هو توجيههم بالمشروع وغير المشروع في الزيارة وإرشادهم من طرف أهل الذكر من العلماء وليس من العوام أمثالهم بالحكمة والموعظة الحسنة (ادع إلى سبيل ربيك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن) وقد قال الله لرسوله وهو الرؤوف الرحيم بالمؤمنين والرفيق بهم (ولو كنت فضًّا غليظ القلب لأنفضوا من حولك فأعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر).
فإذا ما زار الزائر لهذه المقامات بعلم وأدب فإن زيارته شرعية ولا يجوز لنا منعه من ذلك والحكم على ما قام به بالمخالفة للشرع.
ويدخل في الإباحة والجواز التقرب إلى الله في هذه الأماكن بما يرضيه سبحانه وتعالى من الطاعات من صلاة وتلاوة للقرآن وذكر لله ودعاء وصدقة وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا) وهذه الأماكن (الأضرحة والمقامات) من الأرض بل من الأرض العامرة بما يرضى الله من الطاعات ولا يمكن أن نستبعد أن تكون من مواطن استجابة الدعاء والذي يساعد عليه ما يجده الزائر من سكينة وطمأنينة وراحة نفسية وتفاعل روحي مع ذلك الولي صاحب الضريح، إذ من المسلّم به شرعا أن الأرواح تحوم حول قبورها وتسر وتفرح لمن يزورها، فما يموت من الإنسان هو الجسد أما الروح فهي باقية، وهي من أمر الله، والتواصل بين الأرواح والتفاعل بينها وارد وممكن. وقد وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم على أصحاب القبور وخاطبهم خطاب الأحياء، ومن عباد الله من غير الأنبياء والمرسلين عليهم السلام من هم (أحياء عند ربهم يرزقون)(الشهداء).
* والتوسل إلى الله عند الدعاء بالأنبياء والمرسلين وصالح المؤمنين جوزه وأباحه وقال بشرعيته جمهور العلماء قديما وحديثا والخلاف بينهم هو في من انتقل منهم إلى دار البقاء، والجمهور على جواز ذلك إذ لا موجب للتقييد والقاعدة الأصولية تقول (إذا استوى التقييد وعدم التقييد فعدم التقييد أولى).
* ولقد مضى أمر الزيارة للأضرحة والمقامات حيثما وجدت بدون نكير ولا وعيد، فلم ينكر من لا يزور على من يزور ولم يلزم الزائر غيره على تقليده وإتباعه، وحفظ كل طرف للآخر حقه في الاختلاف في تسليم من كل منهما للآخر بالبقاء في حضيرة الإيمان والذي علامته عدم النطق بما يخالف الكلمة التي يصبح بها قائلها في عداد المسلمين وهي (لا إله إلا الله).
* ومن يزورون هذه الأماكن على ما نعلم ونرى ونسمع موحدون وهم بالخصوص في هذا الجناح من ديار الإسلام (الغرب الإسلامي) بمئات الآلاف بدون مبالغة وأحوال الكثير منهم في صلتهم بربهم مما يتوق إلى بلوغها كل مسلم صادق: خشية لله، وشفافية روحية عالية حيث يعود الكثير منهم من هذه الزيارات بزاد كبير من التقوى ينعكس ايجابيا على تصرفاتهم: إتيانا وانتهاء والعبرة بالنتيجة (ومن رزق من باب لزمه).
* إن مقامات وأضرحة الأولياء تتوفر على روحانية لا ينكرها إلا جحود ومعاند ولا يمكن اتهام هذا العدد الكبير من المترددين على هذه المقامات على امتداد الزمان والمكان بالتصنع والتزيد والاختلاق والادعاء وهو تسلط تبلغنا مع الأسف أصداؤه حيث يقدم البعض منهم (كما وقع أخيرا في الصومال) على تهديم هذه الأضرحة في تحدّ صارخ للمشاعر وتعدّ واضح على حرمة أموات صالحين شهدت لهم الأمة بهذا الفضل، و(لا تُجمع الأمة على ضلالة).
* وهل يمكن أن يتواطأ العلماء على مخالف للشرع مناف للعقيدة القويمة؟ خصوصا في ربوع مثل هذه الربوع التونسية التي تلقى أهلها هذا الدين الحنيف منذ منتصف القرن الأول للهجرة على أيدي الصحابة الكرام وقامت فيها قلاعٌ علميةٌ في القيروان وتونس وفي ما وراءهما من حواضر الغرب الإسلامي (بجاية وتلمسان وفاس ومكناس ومراكش وغيرها) وتخرّج من جوامعها وجامعاتها: الزيتونة والقرويين العلماء الأعلام الذين الكثير منهم من الشيوخ القائمين على هذه الزوايا والأضرحة كما ارتاد هذه الزوايا والأضرحة وتقرب فيها إلى الله الكثير منهم ولو كان في ذلك مخالفة للشرع لما أتوه أو اقروا الناس عليه.
منقول
ان السبب في نقل هذا الموضوع انه يثير الان جدلا واسع
فارجو من كل المشرفين وخاصه القائمين علي القسم الاسلامي
امدادنا بكل مايخص تلك المسأله الشائكه لنقف علي الحقيقه
فنقلي مجرد لفتح الباب لسيادتكم